أصدرت “مراسلون بلا حدود” نسخة 2018 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، والذي تكشف فيها عن تصاعد الكراهية ضدّ الصحافيين, والعداء المُعلن تجاه وسائل الإعلام الذي يشجعه المسؤولون السياسيون وسعي الأنظمة المستبدة لفرض رؤيتها للصحافة تهديدا للديمقراطيات.
وأظهر التقرير أن سوريا احتلت المرتبة (177) وفي اليمن (167، -1) و التهم المتكررة بالإرهاب في مصر (161) وكذلك العربية السعودية (169، -1) و البحرين (166, -2) يجعل هذه المنطقة من العالم الأكثر صعوبة وخطورة لممارسة مهنة الصحافة.
كما يوضح التقرير ارتفاع نسبة رؤساء الدول المُنتخبون ديمقراطيا الذين لا يعتبرون الصحافة ركيزة أساسية للديمقراطية وإنما خصم تعلن نحوه البغضاء, وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة “دونالد ترامب”، وقد احتلت المرتبة 45 بتراجع بنقطتين حيث اعتمد الرئيس الأمريكي خطابا بغيضا بشكل صريح معتبرا المراسلين “أعداء الشعب” مستعملا عبارة سبق أن استعملها جوزيف ستالين.
وفي عدد من البلدان فإن الحاجز بين الاعتداءات اللفظية والعنف الجسدي يتضاءل يوما بعد يوم، ففي الفلبين (المرتبة 133، -6)اعتاد الرئيس “رودريغو ديتورتي” على شتم وتهديد وسائل الإعلام الإخبارية وحذّر بالقول: أن تكون صحافيا أمر “لا يحميك من الاغتيال”.
وتزايد خطاب الكراهية ضدّ الصحافيين في الهند على شبكات التواصل الاجتماعي, ويصدر ذلك عادة عن الجيوش الالكترونية للوزير الأول نارندا مودي, وفي غضون سنة واحدة أغتيل أربع صحافيين، على الأقل، بدم بارد في كلّ واحدة من هذه الدول الأربعة.
وعلى الرغم من أن أوروبا تعتبر الأكثر ضمانا لحرية الصحافة إلا أنه تضاعف العنف اللفظي ضد الصحافة ففي شهر أكتوبر “ظهر موريس زيمان” رئيس تشيكيا (34، -11)، خلال ندوة صحفية، مُشهرا بندقية كلاشنكوف مزيفة كُتبت عليها عبارة “هذه للصحافيين”.
وفي سلوفيكيا (27، -10) ينعتُ روبارت فيكور (الوزير الأول إلى غاية مارس 2018) الصحافيين بـ”المومسات الوسخات عدوّات سلوفيكيا” أو بـ”الضباع الغبية”.
وقد تمّ اغتيال الصحفي جون كوسياك في شهر فيفري في هذا البلد الذي يقع في أوربا الوسطى، وذلك بعد وفاة دافني كاروانا غاليزيا بتفجير سيارتها في مالطا (65، -18).
في هذه النسخة الجديدة، تبقى النرويج على رأس التصنيف للسنة الثانية على التوالي تليها، كالسنة الماضية، السويد. ورغم أنها تحترم تقليديا حرية الصحافة فقد أصيبت دول الشمال بعدوى التدهور العام.
وتراجعت فنلندا (المرتبة 4، -1) للسنة الثانية على التوالي في الترتيب، وفقدت المرتبة الثالثة لمصلحة هولندا بسبب مسألة تهديد سرية المصادر.
وفي الطرف الآخر من التصنيف تحافظ كوريا الشمالية (180) على المرتبة الأخيرة.
ويبين التصنيف تصاعد تأثير “الرجال الأقوياء” والأمثلة السيّئة. ففي روسيا (148) بقيادة فلاديمير بوتين، وبعد خنق الأصوات المستقلة داخل حدودها مدّدت شبكة دعايتها في العالم بفضل وسائل الإعلام مثل روسيا اليوم وسبوتنيك.
أما الصين بقيادة “شي جين بنغ” كانت من بلدان أسفل التصنيف (176) بسبب قمعها الصارم للأصوات المُنتقدة، فيتنام (175) وتركمانستان (178) وأذريبيدجان (163).
وإن لم يوجد طغاة مستبدون فإن الحرب تجعل من دولٍ نقاطا سوداء للمعلومة مثل العراق (160، -2) التي التحقت هذه السنة بأسفل الترتيب, وعلى خارطة حرية الصحافة لم يسبق أن نجد كلّ هذا العدد من الدول في المنطقة السوداء.
توزيع الدول حسب موقعها من التصنيف
توزيع الألوان 2018
وضع جيد (الأبيض)
وضع جيد إلى حد ما (أصفر)
وضع حساس (برتقالي)
وضع صعب (أحمر)
وضع خطير جدا (أسود)
المؤشرات الإقليمية الدنيا
في أوروبا التي تعتبر المنطقة الجغرافية الأقل تهديدا لحرية الصحافة يعرف المُؤشر العام أهمّ تراجع في هذا العام. وفي أسفل تصنيف 2018 نجد أربعة دول أوروبية: مالطا (65، -18) وجمهورية التشيك (34، -11) وصربيا (76، -10) وسلوفاكيا (27، -10) مما يؤكّد أن النموذج الأوروبي يعرف انحسارا تدريجيا. (المرجع، تحليلُنا الاقليمي: في أوروبا أيضا، اغتيالٌ للصحافيين).
المؤشرات الإقليمية
في المستوى الثاني، وبفارق عشر نقاط يكون موقع القارة الأمريكية من الترتيب والتي تتميّز بوضعية غير واضحة (المرجع، تحاليلُنا الإقليمية، الولايات المتحدة تسقط وكندا تتقدّم – نتائج رمادية في أمريكا اللاتينية).
ويهيمن الخوف والرقابة الذاتية في أمريكا الوسطى بسبب تواصل العنف والإفلات من العقاب.
وبعد مقتل إحدى عشر صحافيا في المكسيك (147) أصبح هذا البلد، في 2017، الثاني في العالم من حيث مقتل صحافيين. وعرفت فينيزويلا (143) أكبر تراجع في القارة بستّ درجات حيث يواصل الرئيس مادورو الانحراف إلى التسلّط. وبالمقابل يصعد الاكوادور (92) بثلاثة عشرة نقطة بعد تهدئة التوترات بين النظام ووسائل الإعلام الخاصة، وسجل أفضل تقدّم لهذه السنة.
وفي الشمال، تفقد الولايات المتحدة الأمريكية من جديد، بقيادة دونالد ترامب، مرتبتين في 2018، بينما تربح كندا، بقيادة جاستن ترودو، أربعة مراتب وتنظم إلى أفضل العشرين في المرتبة 18 مما جعل وضع حرية الصحافة فيها تعتبر جيدة إلى حد ما.
تأتي بعد ذلك أفريقيا، بتحسن طفيف في المؤشر مقارنة بـ2017 وتعرف القارة وضعيات متباينة (المرجع، تحليلنا الإقليمي: الصحافة الميدانية ف خطر كبير في أفريقيا)، وتضاف الانقطاعات المتكرّرة للانترنت، خاصة في الكامرون (129) وجمهورية الكنغو الديمقراطية (154) إلى الاعتداءات المتواترة والايقافات وأشكالا جديدة من الرقابة في هذه المنطقة.
وتعرف موريطانيا (72) أعلى مستوى من التراجع في المنطقة بسبعة عشرة نقطة إثر اعتمادها قانونا يعاقب بالإعدام بتهمة المس بالمقدسات والردة، حتى في حالة التوبة.
ويفتح رحيل ثلاث من أشدّ أعداء الصحافة في أفريقيا عهدا واعدا للصحافيين في زمبابوي (126، +2) وأنغولا (121، +4) وغنبيا (122) التي تقدّمت بواحد عشرين رتبة فكان لها التقدّم الأقوى في التصنيف.
وتحافظ منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهادي على مرتبتها الرابعة في المستوى الإقليمي، وتقدّمت كوريا الجنوبية بعشرين مرتبة محققة بذلك ثاني أقوى تقدّم في التصنيف وبلغت المرتبة 43 لتطوي صفحة عقد أسود بعد انتخاب الرئيس مون جاي إن.
في الأثناء تكافح ديمقراطيات آسيا الشمالية للمحافظة على نماذجها في مواجهة الصين القوية التي تُصدر، دون عُقد، طُرقها في إسكات كل صوت ناقد.
وفي كمبوديا (142)، التي يبدو أنها استنسخت المسار الصيني أغلقت مؤسسات الصحافة المستقلة بالعشرات لتتراجع بعشر مراتب فيكون لها أقوى تراجع في الترتيب وفي المنطقة (المرجع، تحليلُنا الاقليمي: ديمقراطيات منطقة آسيا – المحيط الهادي مُهدّدة بنموذج الصين السيئ للتحكّم في الإعلام).
وتبقى منطقة الاتحاد السوفييتي السابق وتركيا الأكثر تراجعا على المستوى الدولي في حرية الصحافة (المرجع، تحليلنا الإقليمي: التراجع التاريخي في حرية الصحافة في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق وتركيا)، فثلثي هذه المنطقة تتركز حول أو بعد المرتبة 150 من التصنيف وأغلبها تواصل التراجع. من ذلك غرغيستان (98) والتي عرفت أكبر تراجع في التصنيف بالمنطقة (-9) بعد سنة تميّزت بضغوطات كبيرة على وسائل الإعلام وخاصة الغرامات المالية الخيالية بسبب “الإساءة إلى رئيس الجمهورية”. وباعتبار هذا الأداء الضعيف، ودون مفاجآت محتملة، فإن مؤشر منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى يجعلها تلتحق في الترتيب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبالنظر إلى المُؤشرات المعتمدة لقياس تطوّر البلدان سنة بعد أخرى فإن تراجع مؤشر المناخ الذي يشتغل فيه الصحافيون، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعتبر الأقوى.
ويؤكّد كريستوف دولوار، أمين عام مراسلون بلا حدود، أن “الكراهية ضد الصحافيين من أخطر التهديدات للديمقراطيات، ويتحمّل المسؤولون السياسيون الذين يغذون العداء للصحافة مسؤولية كبرى، لأنّ التشكيك في الرؤية التي تجعل من الحوار العمومي مبنيا على حرية البحث عن الحقيقة ينتج مجتمع الدعاية. وتفنيد مشروعية الصحافة هو تلاعب بنار سياسية خطيرة جدا”.
المصدر: مراسلون بلا حدود