فيما تتابع التكنولوجيا تطورها بشكل سريع وتزداد الضغوط السياسية على الصحفيين الذين يتابعون الأخبار في جميع أنحاء العالم، لم تستطع المنصات الإلكترونية توفير صلة مستدامة بين غرف الأخبار والمتابعين.
وفي هذا السياق، أوضح تقرير جديد صادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة، وهو الثالث في سلسلة من “مشروع الابتكار الصحفي”، الطرق التي تتبعها المؤسسات الإخبارية لكي تتواصل مع جماهيرها وسط هذه التحديات. علمًا أنّ هذه السلسلة هي مبادرة يمولها فايسبوك وتركز على التعلم من غرف الأخبار في العالم الجنوبي، لا سيما وأنّ أبحاث الصحافة التقليدية غالبا ما تركز على غرف الأخبار في الغرب.
وفي حديث لشبكة الصحفيين الدوليين، شدّدت المسؤولة عن المشروع جولي بوسيتي على أهمية اختيار المناطق التي خضعت للدراسة، حيث راقب فريقها ثلاث غرف أخبار هي “رابلر” في الفلبين، “ذا كوينت” في الهند و”دايلي مافيريك” في جنوب إفريقيا، وتابعوا طرق إشراك الجمهور من خلال استخدام منصات على الإنترنت. وتبيّن أنّ هذه الغرف لم تعد قادرة على الاعتماد على المنصات عبر الإنترنت، ولذلك بدأت بابتكار طرق جديدة للتواصل مع المتابعين، ومن ضمنها وضع استراتيجيات للرسائل الإخبارية وتحديد الجمهور المستهدف، ووضع برامج العضوية.
وبحسب الباحثين، فقد أُطلق “رابلر” في الفلبين كصفحة على “فايسبوك” عام 2012 واكتسب سمعة من خلال التحقيقات في الحرب الضارية ضد عصابات المخدرات التي قادها الرئيس رودريغو دوتيرتي وإدارته. وقد واجه موظفو “رابلر” تحديات على الإنترنت من قبل الجهات السياسية الفاعلة وتعرّضوا لمضايقات غير مسبوقة على الإنترنت، لا سيما النساء منهم. وقد أثّرت تلك التصرفات على تقلّص أعداد المتابعين، وكذلك ألحقت ضررًا بعمل الفريق. وتعليقًا على ما حدث مع “رابلر”، اعتبرت جولي بوسيتي أنّ هذا الوقت الذي كان مناسبًا لقياس مدى ابتكار الصفحة الإخبارية، مؤكدة أهمية الجمهور لأي مؤسسة صحفية.
وما فعله للمواجهة، كان التحكم في أقسام التعليقات وإخضاعها للمراقبة، كما استضافوا لقاءات منتظمة في الفلبين، وأطلقوا حملة للتمويل الجماعي وبرنامج عضوية.
من جانبهما، اتبع “ذا كوينت” و”دايلي مافيريك” استراتيجيات مماثلة لجذب الجمهور بشكل أفضل، وشجعوا القراء على اتخاذ إجراءات بشأن القضايا التي تلفت انتباههم. وقالت بوسيتي: “ما قامت به هاتان المؤسستان هو استثمار في مجتمعاتهما على الصعيدين المحلي والوطني”.
وبالنسبة لبرامج العضوية، فقد حقّق “دايلي مافيريك” نجاحًا ملحوظًا، إذ شكّلت العضوية 22٪ من إيرادات غرفة الأخبار خلال العام 2019. كذلك ابتكر الموقع أساليب أخرى لمشاركة الجمهور بدلاً مثل الأحداث والنشرات الإخبارية.
وفي هذا الصدد، أشارت بوسيتي إلى أنّه بإمكان القراء تطبيق الدروس المستقاة من غرف الأخبار المذكورة، خصوصًا وأنّ التحديات لا تقتصر على هذه المناطق التي خضعت للدراسة، وتتعداها لتصل إلى العالم أجمع، حيث تعاني المؤسسات الإخبارية ومراسلوها من المضايقات والضغط السياسي عبر الإنترنت، والاستيلاء على المنصات بأشكال عديدة. وأضافت: “نأمل أن تساعد تجارب هذه المؤسسات الإخبارية في توجيه غرف الأخبار على مستوى العالم، للتحذير من الانهيار في المجتمعات بسبب التلاعب والهجمات عبر الإنترنت.
وتخلص نتائج التقارير في مشروع الإبتكار الصحفي إلى أنّ هناك أشكالاً عدّة للابتكار، لا تتمثّل فقط في تبني تقنيات جديدة، وعلى الصحفيين مواجهة حملات التضليل على الإنترنت بشكل دائم والعمل لضمان جماهير مستدامة.
المصدر:شبكة الصحفيين الدوليين