على وقع محدودية اهتمام الإذاعات المحلية في الأراضي الفلسطينية ببرامج “حديث الشخصية” -أحد أنواع الحوار الصحفي- وسعيًا وراء إحياء ذلك النوع الذي من أهدافه التسلية والإمتاع، بدأت الصحفية نجلاء السكافي في تقديم برنامج إذاعي مختص بحديث الشخصية بعنوان “مشوار حياة“.
ويهتم حديث الشخصية بالكشف عن وجوه عديدة لشخصيات يعرفها المجتمع بصورة نمطية محددة، وإبراز قصتهم التي أهلتهم إلى هذا المنصب أو ذاك، فهو يقول لنا إن ذلك الفنان المبدع هو بالأصل طبيب بارع وهذا الأستاذ الأكاديمي عاش ظروف حياتية قاسية في شبابه قبل أن يشار له بالبنان اليوم.
كم يوضح سمات شخصية لدى الضيوف تقربهم من الجمهور، وهناك شخصيات مغمورة قد يكون لها إسهامات مجتمعية لكن الناس لا تعرفها، لتأتي برامج حديث الشخصية وتوضحها وتزيل اللثام على تفاصيل جديدة لشخصيات مختلفة المشارب.
وفي هذا السياق، تتحدث السكافي لـشبكة الصحفيين الدوليين عن مدى الاهتمام بالبرامج الإذاعية الخاصة بحديث الشخصية، قائلة: “السائد يتناول شخصيات محددة مثلا الفنانين ويعتمدون غالبًا على الشخصيات المشهورة ليزيدوا نسبة متابعة البرامج، متغافلين عن الشخصيات ذات الأثر المجتمعي والبصمة الواضحة ممن ليس لها حضور”.
وترجع ندرة البرامج الإذاعية المختصة بحديث الشخصية –وفق السكافي- للعديد من العوامل منها: عدم إداك القيمة الصحفية والإنسانية التي يقدمها حديث الشخصية وبالتالي لا يكون على سلم أولويات المذيعين أو مسؤولي الإذاعة، والسبب الثاني مرتبط بعامل الوقت في الإذاعة بمقارنة بالمساحة الأوسع في الصحافة المكتوبة مثلا والتي تعطي مجالا للغوص بأعماق الشخصية وتقديم استعراض كافٍ للقارئ.
ومن الأسباب اهتزاز الثقة بين الشخصيات التي تسعى الإذاعات لمحاورتها وبين الإعلام بشكل عام، وأحيانا تتدخل حسابات سياسية في مجريات البرامج، مما يؤدي لغياب الموضوعية والمهنية وكذلك غياب التنويع على صعيد الشخصيات أو المادة المُقدمة للجمهور.
وبماذا يختلف حديث الشخصية المطروح في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو التلفزيونية، عن الذي يقدم من خلف الميكرفون؟.
على السؤال السابق تجيب السكافي: “في الإذاعة دفء يلمسه المستمعين الأوفياء لهذه الوسيلة الإعلامية، هي ليست جامدة كالصحافة المكتوبة يكسرها الصحفي بكلماته المنمقة، ولا مكشوفة كالتلفزيون تظهر كل ما خفي، ولا هي إلكترونية تتطلب نوع محدد من الجمهور لها، وإنما هي في الوسط تمامًا”.
وتقدم الإذاعة الحقيقة مجردة فتبث صوت الضيف الذي يأتي للمستمع بلا صورة؛ لذلك تجدها تُطلق الخيال للمستمع أن يرسم في مخيلته صور لمشوار حياة هذه الشخصية صوته، بكاؤه، تنهيداته، تردده، إسهابه (..) كل هذا يجعل الشخصية أقرب للعامة وتضفي شعور للمستمعين بأنه واحد منهم ويعيش ظروفهم وواقعهم.
ويبقى جذب المستمعين إلى برامج حديث الشخصية المهمة الأصعب خاصة في خضم المنافسة بين الأنماط القديمة والحديثة للإعلام وما نتج عنها من استقطاب واسع للجمهور.
تعلق السكافي على ذلك، من واقع تجربتها: “هناك عدة طرق يُمكن أن تجذب الجمهور، منها استغلال منصات التواصل للترويج للحلقة قبل وأثناء وبعد البث، ويمكن إفساح المجال للضيف للحديث عن حياته الاجتماعية قليلًا، فالناس لديهم فضول لمعرفة الظروف الاجتماعية المحيطة بالشخصية”.
ومن الوسائل أيضا استضافة الضيف مع صديق عزيز أو شريك/ة حياته، وبالإمكان تعزيز الحقلة بتسجيلات صوتية لشخصيات مقربة من الضيف، وكذلك فتح باب المشاركات الخارجية.
وللنجاح في تقديم برنامج إذاعية مختصة بحديث الشخصية 8 عناصر، وهي:
- الإعداد المتقن والمعرفية الجيدة بالشخصية
- تنويع الشخصيات
- تقسيم الحوار لفقرات
- تحديد الوقت لكل فقرة بدقة
- الموضوعية في التقديم
- كسر الجمود في الطرح
- استخدام اللغة الصحفية “بين العامية والفصحى”
- إبراز جوانب مخفية للمستمعين
وهنا تشير السكافي إلى أن اختيار ضيف الحلقة في برامج حديث الشخصية لا يقاس بحجم الانجاز إنما بعظيم الأثر، لذا دائمًا ما كانت الإنجازات أكبر بكثير مما يمكن روايته عبر 50 دقيقة.
وفي الشق الثاني، تطرقت الصحفية نجلاء لتجربتها في تقديم برنامج حديث شخصية على ترددات “إذاعة الأسرى” من قطاع غزة، وقد رافقت الحلقة التي كانت مدتها “45-50 دقيقة” الشخصية منذ الميلاد حتى اللحظة في كل خبايا مشوار حياتها، سواء العلمي أو العملي أو الاجتماعي”.
وتبين أنها انطلقت ببرنامجها في ظل افتقار الإذاعات لهذا اللون من البرامج، وسعيًا للكشف عن الجوانب الأخرى لهذه الشخصيات أمام المستمعين والمتابعين عبر صفحة الإذاعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا بهدف تقديم قصص نجاح للمستمعين وخاصة جيل الشباب الذي قد يرى فيهم قدوة له. وتقول: “كان البرنامج عبارة عن “هدية” لهذه الشخصيات العريقة على كل ما قدمته خلال مشوار حياتها الطويل من خلال دردشة إذاعية أو فضفضة إن صح التعبير عن أبرز محطات حياتهم ومن خلال كذلك الشهادات من الشخصيات المقربة منهم التي أضفناها كتسجيلات صوتية”.
وتختم السكافي بإعادة التأكيد على عوامل نجاح برامج حديث الشخصية الإذاعية التي تشمل التنويع في تقديم الشخصيات مشهورة كانت أو مغمورة، وإضافة دعائم حيوية وإشراك الجمهور بالحقلة، مع العرض المتزن للإنجازات الشخصية، والمهارات، والجوائز، والحياة الاجتماعية كذلك.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين