شهدت بدايات القرن العشرين وما قبله، نشأة عدد من الصحف في سوريا، لكن معظمها لم يكتب لها الحياة طويلا.
أول صحيفة سورية في العهد العثماني هي صحيفة”سوريا” الرسمية التي صدر العدد الأول منها في دمشق عام 1865. كما شهدت العاصمة السورية مولد أول صحيفة خاصة واسمها “صحيفة دمشق” وقد استمرت هذه الصحيفة تسعة أعوام ما بين عام 1878-1887أما خليفة هذه الصحيفة واسمها صحيفة ” الشام” فقد صدر العدد الأول منها عام 1896 واستمرت حتى عام 1908م. وكلتا الصحيفتين رسميتان تملكهما الدولة.
بعد الثورة التركية الحديثة في أواخر العهد العثماني، حدث تطور كبير في مجال الصحافة وحرية التعبير وعدد الصحف، فقد ارتفع عدد الصحف في دمشق وحلب من صحيفة واحدة غير رسمية وصحيفتين رسميتين، إلى اثنتين وستين صحيفة ومجلة. لكن ظاهرة حرية التعبير وتلك الحركة الإعلامية، سرعان ما خمدت بسبب عدة عوامل نذكر منها:
1- تدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
2- حدوث الحرب العالمية الأولى.
3- نشأة قوانين رقابية صارمة لمراقبة الصحافة.
لكن ذلك النشاط سرعان ما استؤنف مع بداية عام 1918م فبعد هذا التاريخ نشأت نحو 42 صحيفة و13 دورية في دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، لكنّ معظمها كان يصدر في دمشق.
ثم جاءت فترة الاستعمار الفرنسي مع بداية عام 1920 وحتى استقلال سوريا عام 1946م. حيث فرضت في هذه الفترة رقابة شديدة على الصحف وتم إغلاق الكثير منها، حتى أنه مع حلول عام 1932 لم يبق هناك سوى ستة صحف. ولم تتوقف ممارسات الفرنسيين عند حد إغلاق الصحف، فقد قامت كذلك بسجن الأدباء والمفكرين والصحفيين المعارضين للحكم الفرنسي. كما أن حركة الإغلاق شملت كذلك المسارح ودور السينما، وفرض رقابة شديدة على كل شاردة وواردة في الإذاعة.
ولكن هناك فترات متقطعة في التاريخ السوري شهدت حرية نسبية في التعبير ونشاطا كبيرا في نشأة الصحف الخاصة والحزبية جاءت متزامنة مع أحداث مميزة ومن أهم هذه المراحل :
– مرحلة المعاهدة ( 1936- 1939)
– مرحلة الاستقلال الأولى ( 1946- 1948 )
– مرحلة التجمّع القومي ( 1954 – 1958 ) وهي أفضل المراحل وأغناها كما أشار الكاتب إلياس جوزيف في كتابه تطور الصحافة السورية في مائة عام. وقد كانت أشهر الصحف الحزبية التي ظهرت في هذه الفترات هي الصحف التالية:
– القبس ( الكتلة الوطنية – الحزب الوطني ) – يومية – دمشق – أصدرها عادل كرد علي ونجيب الريّس في أول أيلول 1928.
– النذير : ( الكتلة الوطنية – حزب الشعب ) – جريدة يومية – حلب– أنشأها أحمد قنبر في 1936.
– المنار : ( الإخوان المسلمون ) – دمشق – يومية سياسية – صاحب امتيازها الدكتور مصطفى السباعي – ورئيس تحريرها أحمد قدامة 1946 .
– البعث : ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) كتب افتتاحيتها الأولى ميشيل عفلق – 1946 – دمشق. يومية سياسية .
– الجيل الجديد: (الحزب السوري القومي الاجتماعي) 1950 – صاحب امتيازها ومديرها المسؤول عصام المحايري .
– البناء : جريدة يومية سياسية صاحبا امتيازها فهمي المحايري وعصام المحايري . (الحزب السوري القومي الاجتماعي) وتحولت جريدة البناء إلى جريدة الشام عام 1954 .
– النور : ( الحزب الشيوعي السوري ) 1955 – صاحبها عبد الباقي الجمالي.
هذه الفترة من الحرية النسبية في التعبير والنشاط الإعلامي الملحوظ تلتها فترة متناقضة تماما. فمع حلول عهد الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958م، أنشأت حكومة الوحدة وزارة للإعلام والثقافة تتمتع بسلطات واسعة على غرار النموذج المصري . وقد تضمنت هذه الوزارة قسما للمراقبة وآخر لإدارة الصحف ووسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. ومنعت في هذه الفترة كل الصحف ووسائل الإعلام المستقلة. ولم يتغير هذا الوضع إلاّ بعد انتهاء الوحدة، خلال فترة الانفصال القصيرة بين عامي 1961 – 1963حيث تحرّكت الحياة الحزبية والسياسية، وتحرّكت معها وسائل الإعلام المختلفة، إلى أن جاء انقلاب الثامن من آذار 1963 لتبدأ مرحلة جديدة من قمع حرية التعبير، وإغلاق الصحف والسيطرة الكاملة للدولة على وسائل الإعلام.
ثانيا : الصحافة ووسائل الإعلام في ظل البعث
بعد انقلاب حزب البعث وتسلمه لمقاليد الحكم قامت الحكومة بإغلاق كافة الصحف الحزبية والمستقلة، ولم يبق سوى بعض الصحف الرسمية الناطقة باسم السلطة، وهي:
1 – صحيفة البعث التي أنشئت عام 1946 وتعتبر الصحيفة الرسمية لحزب البعث العربي الاشتراكي والناطقة باسمه . رأس تحريرها لفترة طويلة تركي صقر وهي تعتبر حالياً واحدةً من ثلاث صحف رئيسية ناطقة باللغة العربية في سورية كلها.
2 – صحيفة الثورة وأنشئت عام 1963
3 – صحيفة تشرين وأنشئت في أكتوبر عام 1974
هذه الصحف الثلاث تكاد تكون نسخا طبق الأصل عن بعضها، ما عدا بعض الاستثناءات التي تتميز بها صحيفة تشرين التي أعطيت هامشاً محدوداً في انتقادها للوزارات والوزراء. كما أن هذه الصحف ملزمة باعتماد وكالة أنباء واحدة كمصدر للأخبار هي وكالة الأنباء السورية (سانا) التي أسست عام 1965 وتخضع هي أيضاً لرقابة وزارة الإعلام. وقد أظهرت دراسة حديثة أن 95 في المائة مما ينشر في صحيفة البعث من الأخبار المحلية وتسعين في المائة من الأخبار الدولية، مصدرها هذه الوكالة.
وتعتبر صحيفة (سيريان تايمز) هي الصحيفة الوحيدة الناطقة بالإنجليزية،و تقوم بإصدارها مؤسسة تشرين.
توزيع هذه الصحف:
توزع الصحف الثلاث (تشرين والثورة والبعث) مجتمعة نحو مائتي ألف نسخة يومياً على كافة السكان البالغ عددهم نحو (18) مليون نسمة. يشمل هذا العدد النسخ التي توزع مجاناً على الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات العامة في مختلف المحافظات.. ولذلك فإن حظ المواطن في الحصول على صحيفة يومية يكون ضئيلا جدا. وهناك مقارنة أجريت في عام 1994م بين عدد من الدول في عدد النسخ الموزعة : ففي سوريا لم يكن هناك أكثر من صحيفتين من نصيب كل مائة شخص مقارنة بخمسة صحف في الأردن ، 6 في مصر، 17 في لبنان، و28 في فلسطين المحتلة. وفي هذا العام نفسه كان استهلاك سوريا من ورق الطباعة والكتابة 2،6 طن لكل ألف شخص مقابل 5 أطنان في مصر وقرابة 7 أطنان في الأردن وقرابة 17 طن في لبنان ونحو 49 طن في فلسطين المحتلة!!!!! هذا قبل عشر سنوات، بينما لم تتغير هذه النسبة كثيرا في سورية فقد تغيرت في فلسطين المحتلة بشكل تصاعدي. أما صحيفة سيريان تايمز فعدد النسخ الموزعة منها بلغ – تقريبا – اثني عشر ألف نسخة، ولم يتغير منذ أواسط الثمانينيات.
ثالثاً: المطبوعات الأجنبية
لا توجد مطبوعات أجنبية كثيرة في سوريا لأن الحكومة السورية تفرض رقابة شديدة على دخول تلك المطبوعات، يتعين على موزعي وبائعي المطبوعات الدورية الأجنبية تسليم نسخ منها إلى وزارة الإعلام قبل توزيعها في السوق تمشيا مع المادة 9 من قانون المطبوعات، ويمنع دخول أو تداول هذه المطبوعات إذا” تبين أنها تمس السيادة الوطنية أو تخل بالأمن أو تتنافى مع الآداب العامة” وهذه العبارات التي تحتمل معانيَ واسعة تمنح الحكومة سلطة غير محدودة، وتمكّنها من تقييد حرية المواطنين السوريين في الاطلاع على المعلومات الواردة في المطبوعات الأجنبية. وبما أن الكثير من هذه الصحف والمجلات قد أصبح متاحاً على شبكة الإنترنت فإن الجهود الحكومية المبذولة في مراقبة هذه الشبكة، وكذلك في حجب المواقع الإخبارية، كبيرة جداً، وسيرد ذلك لاحقا عندما نتحدث عن شبكة الإنترنت.
رابعاً: الرقابة على الصحفيين
يخضع كافة الصحفيين لرقابة شديدة ويحاسبون على كل كلمة، وقد يعاقبون بعقوبات شتّى إذا تعدّوا أياً من الخطوط الحمراء الكثيرة، أو تعرّضوا لأيّ من المواضيع المحظورة التي سأذكرها لاحقاً عند الحديث عن قانون المطبوعات. ويشترط في كافة الصحفيين العاملين في الصحف الرسمية أن يكونوا أعضاء في حزب البعث ما عدا بعض الحالات الاستثنائية لبعض المقربين من النظام أو رجال الدولة. كما يشترط أن يكونوا مسجلين في نقابة الصحفيين. ويطالب القانون نقيب الصحفيين بإعداد قائمة الصحفيين وأن يتم تصنيفهم إلى صحفيين عاملين وصحفيين متدربين وصحفيين متعاونين. وينص القانون السوري على أنه لا يسمح لأي صحفي بالعمل ما لم يكن اسمه مدرجا على هذه القائمة وأن تكون القائمة قد أقرها وزير الإعلام.
ولم تقف هذه الرقابة والضغط عند حدود الصحافة السورية، بل كانتا تمارسان كذلك على الصحف اللبنانية والصحفيين اللبنانيين، حتى لا تتطرق إلى الشأن السوري، أما الجرأة التي بدأت تتميّز بها بعض الصحف اللبنانية حالياً كجريدة النهار اللبنانية في تناولها للموضوعات السورية وتجاوزها للخطوط الحمراء، فهي نتيجة للمتغيرات الدولية والإقليمية الأخيرة، وضعف الرقابة السورية على الإعلام اللبناني . علماً بأنّ جريدة النهار هذه قد ضُرِبت من قبل السوريين، خلال الحرب اللبنانية، واحتلّ مقرّها وصودر أرشيفها، كما تعرّضت لمثل ذلك صحيفة الحياة اللبنانية التي اضطر حينها إلى الانتقال إلى لندن.
وهناك قصص وشواهد عدة على العقوبات التي تنزلها الحكومة السورية بالصحفيين العاملين في الصحف الرسمية عند مخالفتهم إجراءات الرقابة الصارمة، وسأسوق هنا أمثلة على بعض هؤلاء:
– فقد اعتقلت في العام الماضي الشقيتان عزيزة وشيرين سبيني لمدة عام ولم يفرج عنهما إلا في أواخر شهر نيسان/ إبريل الماضي رغم أن الحكم الذي صدر بحقهما بغض النظر عن عدالته، يقضي بسجنهما ثمانية أشهر فقط. كما اعتقلت السلطات مراسل صحيفة الحياة اللندنية إبراهيم حميدي إثر نشره تقريرا في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي عن استعدادات الحكومة السورية على الحدود العراقية لإنشاء مخيمات للاجئين في حال قيام أمريكا بشن حرب على العراق، بناء على معلومات أدلت بها جهة رسمية نفت ذلك لاحقا. وقد قضى حميدي أربعة أشهر في السجون السورية في ظروفٍ سيئة. مع أنّ إبراهيم حميدي من المحسوبين على النظام وتربطه صلات وثيقة بالأجهزة الأمنية، فكيف بالصحفيين المعارضين؟ هؤلاء يحالون إلى المحاكم العسكرية ويحكم عليهم بالسجن سنوات عديدة، يتعرّضون خلالها لأشكالٍ متنوعة من التعذيب. ومن أمثلة هؤلاء الصحفي النشط في مجال حقوق الإنسان نزار نيوف، الذي قضى في السجن قرابة عشر سنوات، وكذلك الكاتب الطبيب عبد العزيز الخيّر المحكوم عليه بالسجن 22 عاما، والذي يعتبر أحد أبرز محرري النشرات والكراسات التي كانت تصدر عن حزب العمل الشيوعي. ومن أمثلة السيطرة الكاملة وقمع الصحفيين والصحف ما قامت به الحكومة السورية مؤخرا من تعليق صحيفة الدومري الساخرة التي كانت قد لاقت نجاحا كبيرا في الأوساط السورية لأنها تقدم شيئا مختلفا عن المعهود. وقد تعرض رئيس تحريرها ومالكها علي فرزات وهو صحفي ورسام كاريكاتوري للمضايقات الشديدة وتشويه السمعة من قبل الصحافة الرسمية. يضاف إلى هذه الرقابة من قبل السلطات، قدرٌ كبيرٌ من الرقابة الذاتية التي تأتي نتيجة الخوف من التعرّض لما تعرّض له الصحفيون الذين ارتكبوا أخطاء أو تجاوزوا الخطوط الحمراء. فقد ذكرت الكاتبة والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط نعومي صقر، أن الصحفيين يعيدون قراءة ما يكتبون عدة مرات، ويتأكدون من خلوّ مقالاتهم وتقاريرهم مما يسيء إلى المسئولين في الدولة، أو إلى العاملين فيها، أو ربما يثير غضبهم، ثم بعد ذلك يأخذون احترازا احتياطيا باستشارة أفراد العائلة، والمختصين في هذه الشؤون، ويحذفون كل ما يظنّ هؤلاء أنه قد يمسّ كرامة أحد في الدولة أو قد يعرّضهم للعقاب أو الملاحقة القضائية!
خامساً: الإذاعة
يوجد في سوريا إذاعتين. الأولى رئيسية وهي إذاعة دمشق، والأخرى ثانوية تبث ساعتين يوميا من حلب.
في تاريخ سوريا الحديث ومنذ عام 1949 كانت إذاعة دمشق منبر الانقلابات العسكرية حيث يذاع منها البلاغ رقم (1) حتى انقلاب عام 1963 في 8 آذار حيث زحفت بعض قطعات الجبهة بقيادة بعض صغار الضباط من البعثيين والناصريين فأذاعوا البلاغ رقم (1) ثم صفى البعثيون الناصريين ببلاغات لاحقة من إذاعة دمشق. وفي عام 1965 أزيحت القيادة القومية ورئيس الجمهورية أمين الحافظ بالبلاغ رقم (1) وتلاه اقتتال في شوارع دمشق. وفي عام 1970 أذاع حافظ أسد بيان الحركة التصحيحية وأزيح الشباطيون.
وقد أدت إذاعة حلب نفس الدور. ففي عام 1962 أذيع البلاغ رقم (1) بفصل حلب والمنطقة الشرقية والشمالية من قبل الضابط إبراهيم العلي وبعض صغار الضباط البعثيين والناصريين الذين قاموا بمحاولة انقلاب على حكومة الانفصال.
وكما هو الحال بالنسبة للصحفيين العاملين في الصحافة المكتوبة فإن كافة العاملين في الإذاعة عرضة للطرد من أعمالهم ووظائفهم أو الملاحقة القضائية والتحقيق لأقل خطأ سياسي قد يقع فيه أحدهم. وتخضع الإذاعة كذلك لمراقبة دقيقة من قبل وزارة الإعلام. ولا يسمح فيها لغير الخطاب السياسي الرسمي، ولبعض المواضيع الثقافية والفنية وغيرها من المواضيع التي ليست لها صلة مباشرة بالسياسة.
سادساً: التلفزيون العربي السوري بقناتيه الفضائية والعادية
استخدم التلفزيون العربي السوري في كل العهود كوسيلة للدعاية المرئية للنظام، وقد تعاظم استخدامه خلال الحكم البعثي، أداةً للخطاب الرسمي الأحادي، يذيع أقوال المسئولين، ويقدم تحليلها، ويشرح النظريات والآراء المستنبطة من خطبهم ومواقفهم، ويشرف عليه إدارته أحد المسئولين المقرّبين.
ويخضع المذيعون والصحفيون والتقنيون العاملون في الإعلام المرئي لنظام مراقبة صارم ربما يكون أشدّ من ذلك الذي يخضع له العاملون في الصحافة المكتوبة. ويرجع ذلك إلى أن السلطات أكثر حساسية لعرض الطروحات السياسية على الشاشة، ربما لأن أعداد الجماهير المستقبلة أكبر بكثير من قراء الصحافة المكتوبة.
جميع قنوات الإذاعة والتلفزيون في سورية مملوكة للدولة، وتتولى وزارة الإعلام إدارتها. ولضمان الرقابة والانضباط فيما تبثه هذه القنوات، فإن البث بأكمله مسجل والبث الحي المباشر معدوم تقريباً، فيما عدا خطابات الرئيس وخطابات بعض المسئولين المقرّبين. أما البرامج الثقافية والأخبار والرياضة وغيرها فكلها يتم تسجيلها ومشاهدتها من قبل الجهات الرقابية المختصة، قبل بثها على الهواء، حتى أن أحد العاملين في إحدى المحطات ذكر لمنظمة (هيومان رايتس واتش) أن الحكومة ربما تراقب نقاشا حول أرسطو خوفا من أن يثير غضب أحد المسؤولين رفيعي المستوى في الدولة وتنتهي بذلك خدمة مقدم البرنامج ومدير القناة!!!
ولكن في العادة لا يتم الحكم على هؤلاء بمدد طويلة في السجن إلا في حال الاتهام بالانتماء إلى أحزاب محظورة كما حدث مع المراسل التلفزيوني عماد نداف الذي اعتقل عام 1982 وعذب وسجن في سجن تدمر وكذلك المراسل الإذاعي والتلفزيوني ِأنور بدر الذي اعتقل عام 1986م وقد اتهم الاثنان بالانتماء إلى حزب العمل الشيوعي.
أما الأطباق الفضائية فلم يسمح لها بشكل رسمي في سوريا، لكنها رغم ذلك كانت تهرّب أو تصنّع دون موافقة السلطات، حتى فرضت نفسها وأصبحت أمرا واقعا. وتعتبر القنوات الفضائية الإخبارية هي المفضلة لدى السوريين باعتبارها المصدر الأساسي للمعلومات والأخبار التي لا يقدّمها التلفزيون السوري.
سابعاً: الإنترنت
رغم أن العالم يعيش الآن ثورة اتصالات متمثلة في الاتصال عبر الإنترنت واستبدال المجال الحقيقي بالمجال الإلكتروني أو كما يسمى بالإنجليزية ( سيبر سبايس) فإن سوريا تعتبر من الدول المتأخرة جدا في هذا المجال، فحتى فترة قصيرة كان إدخال الكمبيوتر أصلا من الأمور الصعبة في سوريا بالإضافة إلى الأجهزة الأخرى كالفاكس والهاتف النقال وغيرها.. التي ظلت ممنوعة حتى فترة قريبة. وقد كانت إمكانية الدخول إلى شبكة الإنترنت مقتصرة على نخبة من الحزبيين والمسئولين والعاملين في أجهزة السلطة أو المقربين منها ولم يكن متاحاً لعامة الشعب. إلاّ أنّ السلطات لم تستطع الوقوف طويلاً في وجه الثورة التكنولوجية، ولم تعد قادرة على الحيلولة دون استخدام هذه الشبكة، فاضطرّت إلى توسيع دائرة المستفيدين منها، لكنها لم تتخلّ عن هوسها الرقابي فقامت بحجب الكثير من المواقع التي تعتقد أنها تخلّ بالأمن القومي على حد تعبيرهم، فحجبت الكثير من المواقع الإخبارية، ومواقع منظمات حقوق الإنسان المختلفة، وكذلك المواقع التابعة للمعارضة السورية في الخارج. فعلى سبيل المثال لا يتمكن السوريون في الداخل من الدخول إلى موقع (جماعة الإخوان المسلمين في سورية) أو مواقع الأحزاب المعارضة الأخرى، أو موقع (اللجنة السورية لحقوق الإنسان) وكذلك بعض المواقع الإخبارية مثل موقع (أخبار الشرق) الذي تمّ حجبه مؤخرا، وكذلك مواقع المنظمات الإنسانية العالمية التي حجبت منذ سنوات عديدة.
ثامناً: قانون المطبوعات
يحكم قانون المطبوعات في سوريا حركة الصحافة وقد جاء القانون الجديد الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (50) في أيلول/سبتمبر 2001 ليزيد من حدة المراقبة ويفرض قيودا إضافية على الصحفيين، وخاصة الصحفيين الأحرار أو كما يسمون بالإنجليزية (فريلانسر). وإليكم استعراضا لبعض ما جاء في هذا القانون، وما طبق منه حيث أن التطبيق على أرض الواقع لم يكن مطابقا تماما لما ورد في القانون وإنما كان انتهاكا حتى للقانون نفسه.
المرسوم التشريعي رقم 50 لسنة 2001 يحظر نشر معلومات تتعلق بطائفة واسعة من المواضيع- بما في ذلك المقالات والأخبار التي ” تمس الأمن الوطني” و “وحدة المجتمع” ويعاقب من ينقل الأخبار” غير الصحيحة” أو ” ينشر أوراقا مختلقة أو مزورة” بالحبس مدة أقصاها ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسمائة ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية.
ويعاقب المرسوم كل من ينشر مطبوعة دورية بدون رخصة من رئيس الوزراء، بالحبس لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، ويحق لرئيس الوزراء أن يرفض منح الرخصة ” لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة يعود تقديرها إليه”. ويحظر على أي مطبوعة دورية ” غير سياسية” نشر أي مقال ” سياسي” ويعاقب كل من تلقى بصورة ” مباشرة أو غير مباشرة” أموالا من حكومات أو مؤسسات أجنبية بغية ” الدعاية” لها في سورية عن طريق المطبوعات بالحبس لمدة أقصاها سنة كما يعاقب المدانون بارتكاب جرائم الذم والقدح والتحقير عن طريق المطبوعات بالحبس لمدة أقصاها سنة.
وتطبيق هذا المرسوم التشريعي حسبما ترى منظمة (هيومان رايتس واتش) من شأنه أن يخنق حرية تدفّق المعلومات والآراء في سورية ويهدر حق المواطنين في الاطلاع الكامل على المعلومات في هذا العصر الذي يتسم بالتبادل شبه الفوري للمعلومات على مستوى العالم بأسره. كما أن المرسوم التشريعي المذكور، يقضي بإخضاع كافة المطبوعات التي تجري طباعتها في سورية للرقابة الدقيقة من جانب السلطة التنفيذية ، ويوجب على دور الطباعة الاحتفاظ بسجل تدون فيه جميع المؤلفات أو المطبوعات التي تمت طباعتها وتسليم نسخ منها يوم نشرها لوزارة الإعلام، وهذه القاعدة تسري على أصحاب المطابع في سوريا . وتعريف المطبعة حسب المادة 2 ج من المرسوم التشريعي هي : ” كل آلة أو جهاز أعدّ لنقل الألفاظ والصور والشارات والأرقام على ورق أو قماش أو غير ذلك من المواد، ولا يدخل في هذا التعريف الجهاز المعد للتصوير الشمسي والآلات الكاتبة المستعملة في الدوائر والمحلات التجارية والمؤسسات والجهاز الذي يستعمل من أجل أغراض تجارية بحتة ولحفظ النسخ عن الوثائق”.
ويتعيّن على أصحاب المطابع الاحتفاظ بسجل ” تدون فيه كل مرة عناوين المؤلفات أو المطبوعات المعدة للنشر حسب تسلسلها التاريخي وأسماء أصحابها وعدد النسخ المطبوعة منها وهذا التدبير ينطبق على ” كل أنواع المطبوعات والنشرات الصادرة بأية طريقة طباعية، وكذلك على التصوير والحفر والرسم والقطع الموسيقية”. ومن يخالف أيا من هذه الأحكام يعاقب بالحبس من عشرة أيام حتى ثلاثة أشهر، وبغرامة تتراوح بين عشرة آلاف ليرة سورية و50 ألف ليرة سورية. ثم يزيد المرسوم على ذلك فيجيز للمحاكم أن تحكم بإغلاق المطابع أو المكتبات بصورة مؤقتة أو نهائية في حال ” تكرار مخالفات من شأنها الإخلال بالأمن أو سيادة البلاد وسلامتها” حسب نص القانون.
أما عن المواضيع المحظورة للنشر فالقائمة طويلة أسوق هنا بعضا منها:
– المادة 51 (ا) تجرم نقل الأخبار ” غير الصحيحة ونشر أوراق مختلقة أو مزورة، وتنص على معاقبة من يفعل ذلك بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسمائة ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية وهي بالنظر إلى الأحوال الاقتصادية في سورية مبالغ باهظة جدا. ثم تقضي المادة بتوقيع الحد الأقصى من العقوبتين معا إذا كان النشر أو النقل ” قد تم عن سوء نية، أو سبّب إقلاقا للراحة العامة أو تعكيراً للصلات الدولية، أو نال من هيبة الدولة، أو مسّ كرامتها، أو مسّ الوحدة الوطنية أو معنويات الجيش والقوات المسلحة، أو ألحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وسلامة النقد”
إذا تأملنا الألفاظ الواردة في هذه المادة، نجد أن الألفاظ فضفاضة جدا وتحتمل تأويلاتٍ مختلفة، يمكن أن تندرج تحتها أمورٌ كثيرة . فالمرسوم بأكمله لا يتضمن تعريفاً محدّداً لأيّ من هذه الألفاظ التي تتّسم بكثير من الإبهام، وتسمح بفرض قيود شديدة على حسب هوى السلطات ورغبتها .
وتورد المادة (29) من قانون المطبوعات الجديد، قائمة بالمواضيع المحظور نشرها وهي:
1- المعلومات المتعلقة بالاتهام والتحقيق في قضايا الجنح والجنايات ” قبل تلاوتها في جلسة علنية”.
2- ” وقائع دعاوى الإهانة والقدح والذم والافتراء”.
3- ” وقائع المحاكمات السرية وسائر المحاكمات التي تتعلق بالطلاق أو الهجر أو بدعوى النسب وجميع وقائع الدعوى التي تحظر المحكمة أو دوائر التحقيق نشرها وتقارير الأطباء الشرعيين حول الجرائم الأخلاقية”.
4- مذكرات مجلس الشعب السرية
5- ” المقالات والأخبار التي تمس الأمن الوطني ووحدة المجتمع وكذلك التي تتعلق بأمن الجيش وسلامته وتحركاته وعدده وتسلحه وتجهيزه ومعسكراته باستثناء التي تصدر عن وزارة الدفاع أو التي تسمح الوزارة بنشرها”
6-” الكتب والرسائل والمقالات والتحقيقات والرسوم والأخبار التي تتضمن طعنا بالحياة الخاصة” .
وترى منظمة (هيومان رايتس واتش) أن الظاهر من حظر هذه المواضيع يستهدف منع أي تحقيقات أو تعليقات صحفية بشأن طائفة واسعة من المواضيع المعروضة على النظام القضائي في سورية- بما في ذلك المحاكمات المنعقدة وراء أبواب مغلقة والقضايا المتعلقة بالإهانة والقدح والتشهير- إلى جانب القضايا المطروحة على بساط البحث في مجلس الشعب المنتخب وهما مجالان مهمان من مجالات النشاط الحكومي يحق للجمهور الاطلاع على ما يدور فيهما.
صحيحٌ أنّ المادة 14 (1) من ” العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” تجيز في بعض الحالات منع ” الصحافة والجمهور” من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي أو لمقتضيات حرية الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة”
غير أن المرسوم يعكس المنطق الذي ينطوي عليه هذا المعيار الدولي إذ يجعل حظر نشر المعلومات هو الأصل والقاعدة، وكشف النقاب عنها هو الاستثناء.
وربما يكون أكثرَ المواد خطورةً المادتان 52 أ و52 ب إذ أن من شأنهما أن يفتحا الباب على مصراعيه أمام مقاضاة الصحفيين والكتاب والمفكرين وغيرهم وحبسهم إذا ما نشروا أو كتبوا شيئا تعتبره الدولة ذات صلة بالتحريض على الجرائم مما يفضي إلى الشروع في ارتكابها أو امتداحها على نحو يحرض على الإجرام أو يدفع إلى ارتكاب هذه الجرائم وترجع إشكالية هذه الأحكام- حسب هيومان رايتس واتش- إلى أن ممارسة النشاط السياسي السلمي لا يزال أمرا يجرّمه القانون في سوريا.
وتنص المادة 52 (أ) على أن ” كل من حرض على ارتكاب جرم بواسطة المطبوعات الموزعة أو المباعة أو المعدة للبيع أو المعروضة في المحلات والتجمعات العامة أو بواسطة الإعلانات المعلقة في الطرقات، وأنتج هذا التحريض مباشرة شروعا في ارتكاب جرم، يعاقب بالعقوبة التي تفرض على الشريك في الجرم المذكور”.
أما المادة 52 ب فتنص على معاقبة ” كل من امتدح جرائم القتل والسلب والنهب والإحراق المرتكبة بشكل يحرض أو يدفع إلى ارتكاب هذه الجرائم ثانية بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة ألف ليرة إلى مائتي ألف ليرة سورية.
كما أن المادة 56 (د) تنص على إلغاء رخصة” كل مطبوعة تدعو إلى تغيير دستور الدولة بطرق غير دستورية وعلى معاقبة المسؤولين عنها وهم على الأرجح صاحب المطبوعة ومديرها ورئيس تحريرها ” بالعقوبات المنصوص عليها في القوانين النافذة”.
والخلاصة أن الصحافة ووسائل الإعلام في ظل نظام حزب البعث في سورية، ما تزال محكومةً – منذ أربعة عقود – بالنهج الأحادي الذي ينتهجه الحزب الواحد، القائد للدولة والمجتمع، والذي لا يفسح مجالا لحرية التعبير خارج إطار السلطة . وإن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية التي وعد بها الرئيس بشار الأسد في بداية عهده، لا يمكن تحقيقها إلا في أجواء الانفراج السياسي ، وفي فضاءات حرية التعبير التي تمارسها صحافة حرة مستقلة ، تؤدي مهام السلطة الرابعة في الرقابة والتوعية والتوجيه.
وقد تبين من الاستعراض التاريخي لواقع الصحافة ووسائل الإعلام السورية، أن العصر الذهبي للصحافة والإعلام في سورية ، إنما كان خلال فترات الحكم الديمقراطي القائم على أساس التعددية الحزبية والسياسية.
كما تبين أيضا أن هناك خبرات صحفية وإعلامية سورية مهاجرة، تشكل كوادر متقدمة لكثير من وسائل الإعلام في الصحافة والمحطات الفضائية العربية، وذلك بعد أن لم تجد استيعابا لها داخل الوطن.
*ميسون العلبي