في السنوات الماضية توسعت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية في نشر صور جثث ضحايا الاغتيالات والقتل والحروب، خاصة التي تتعلق بالشخصيات العامة، سعيًا وراء السبق الصحفي وتحقيق المزيد من الانتشار والجماهيرية، من دون أي ضوابط، خاصة مع سيطرة الصحافة الإلكترونية على المشهد.
جدل واسع في الأوساط الصحفية والإعلامية تكرر في مناسبات عدة من صورة إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إلى صورة جثة الرئيسين الليبي الأسبق معمر القذافي واليمني الأسبق عبدالله صالح، صاحبه ظهور 3 اتجاهات:
الأول: مؤيد لنشر تلك الصور الصادمة بغض النظر عن محتواها ومدى تأثيرها. “ستيفن باريت” أستاذ الاتصال بجامعة “ويستمنستر” في لندن يرى أن الصور في عصر الانترنت ستصل لامحالة للجمهور، إن لم أنشر سينشر غيري، فلماذا لا أظفر بالسبق الصحفي.
الثاني: رافض لنشر صور القتلى والجثث والصور الصادمة، ويعتبره من المحرمات الصحفية، لما يمثله من انتهاك لحرمة الموت، وما يسببه من آثار سلبية على مشاعر الجمهور، وأهالي المنشور صورهم بغض النظر عن القيمة الخبرية للصورة.
الثالث: متوازن يجمع بين الرأيين، فهو يميل إلى نشر الصور الصادمة حتى لا يهدر القيمة الخبرية، مع اتخاذ اجراءات متنوعة تخفف من آثار تلك الصور على الجمهور.
على سبيل المثال تتبع مدونة Boston Big Picture المتخصصة في نشر القصص المصورة قواعد تحريرية تمنع نشر أي صورة بها جثث إلا بعد وضع تحذير واضح قبل المشاهدة، ولا يستطيع المشاهد مطالعة الصورة إلا بعد الموافقة على ما ورد بالتحذير.
وبين الثلاثة اتجاهات يغوص دليل أخلاقيات نشر صور الجثث الصادر من معهد الإعلام الأردني بالتعاون مع مركز هردو لدعم التعبير الرقمي مصر في عمق الخلاف ليحاول الوصول لنقطة التقاء تحفظ للمهنة أخلاقها، وللجمهور حقه في المعرفة، ولذوي الضحايا خصوصيتهم، في دراسة أعدتها إسراء صالح السيد وأشرف عليها الدكتور صخر الخصاونة.
الدليل المكون من 3 فصول والذي يأخذ حادث “اغتيال السفير الروسي في أنقرة” نموذجًا، يتحدث في بدايته عن أهمية الصورة وخطورتها بعد أن تحولت إلى كائن حي داخل الصحافة الإلكترونية، وكيف أن أحد “التابوهات” داخل غرف الأخبار “عرض صور لشخص في سكرات الموت” تم كسره أمام شهوة النشر.
ثم يعقد الدليل في فصله الثاني مقارنة بين تغطية موقع العربية، وموقع بي بي سي بنسختيه العربية والإنجليزية ، وموقع سكاي نيوز بنسختيه العربية والإنجليزية، و موقع فرانس24 لحادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة، للاستفادة من الحيل التي تستخدمها كبرى وسائل الإعلام لتحقيق المعادلة الصعبة، ما بين حق القارئ في المعرفة وحقه في عدم إيذاءه، وما بين تفرد المهنة وأخلاقياتها.
فبينما نشر موقعي العربية وسكاي نيوز عربية خبر مقتل “أندريه كارلوف” مقترنًا بفيديو يوضح لحظة إطلاق النار عليه، ولحظة سقوطه على الأرض قتيلاً، بالإضافة إلى صور تظهر فيها جثته مسجاة على الأرض بعد اغتياله دون أي تنويه عن المشاهد المؤذية التي يحتويها الفيديو أو الصور.
تدارك الأمر مسؤولو النسخة الإنجليزية من موقع سكاي نيوز والتزموا بأقصى معايير النشر الأخلاقية في التعاطي مع الأحداث المأساوية، وفقًا لكتاب مبادئ التحرير التوجيهية للمؤسسة، الذي ينص على أن يتوخى الصحفي الحذر في نقل الخبر حين يقوم بتغطية الحوادث أو الكوارث الطبيعية التي يسقط فيها ضحايا، بحيث لا يتم المساس بكرامة أحد الضحايا أو أقاربهم.
الموقع لم ينشر مقطع الفيديو الذي يحتوي على لحظة إطلاق النار على السفير، التزم بوضع بعض الرتوش التقنية لإخفاء ملامح جثته بالكامل احترامًا لحرمة الموت، ولضمان عدم الإساءة لمشاعر الآخرين، سواء من ذوي الضحية أو القراء مع نشر صورة أخرى للسفير الروسي أثناء حياته ليتعرف الجمهور على ملامحه لكن دون الإساءة له بعد اغتياله.
موقع بي بي سي بنسختيه العربية والإنجليزية
نشر الخبر مصحوبًا بمقطع الفيديو الخاص بإطلاق النار، لكن أضاف تنويهًا في مقدمة الفيديو يفيد بأن المقطع يحتوي على مشاهد مؤلمة،
بالإضافة إلى إخفاء الموقع لملامح السفير الروسي في الصور التي نشرها، وكان التركيز على إظهار القاتل الذي كان يقف شاهرًا مسدسه وبجواره الجثة على الأرض.
موقع فرانس24
التزم بالقانون الفرنسي الذي يمنع نشر صور تظهر جريمة أو أعمال عنف مقصودة إلا بإذن من السلطات القضائية، وهو ما تكرر من جميع المحطات التليفزيونية الفرنسية سابقًا في رفضها لنشر صور إعدام صدام حسين.
لذلك لم ينشر الموقع أي صورة توضح مقتل السفير، كما لم ينشر مقطع الفيديو الخاص بلحظة الاغتيال، واكتفى بوضع صورة السفير “كارلوف” وهو على قيد الحياة مع وضع شارة سوداء على جانب الصورة للإشارة إلى مقتله.
في الفصل الثالث من الدليل حاولت الباحثة أن تجد إطارا أخلاقيًا لنشر الصور الصحفية الصادمة مشيرة إلى أن الصورة حق ملازم للشخصية، وتعتبر جزءا من حياة الفرد الخاصة، مشيرة إلى أن هذا الحق ينتقل بعد وفاته إلى الورثة، ولذا تكون هذه القضية حساسة ويكون حسم النشر لتلك النوعية من الصور لكل حالة على حدة .
كيفية الموازنة بين القيمة الخبرية والصور الصادمة
الصحفي الألماني “سيمون ب. بلاتسرت” في دراسته حول “تعامل الصحف الألمانية والإسبانية مع صور العنف”، والقواعد المهنية التي يجب إتباعها عند نشر صور العنف قال : “أن الأمر يتعلق بالسياق دومًا وأنه لا يوجد حل سحري للتعامل مع تلك الصور، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان من المهم نشر صور العنف لكي يتم توثيق ويلات الحروب”.
“بلاتسرت” وضع بعض المبادئ التوجيهية لمساعدة الصحفي في التعامل مع صور العنف قبل النشر أهمها:
1- التحقق من إمكانية نقل المعلومات المتعلقة بالصورة كنص مكتوب، بحيث يمكنه الاستغناء عن نشر الصورة.
2- محاولة نشر الصور التي يتفاعل معها القارئ عاطفيًا، ولا تسبب له صدمة كبيرة.
على سبيل المثال بدلاً من نشر صور صارخة لجثة طفل، يمكن نشر صورة ثياب أطفال مضرجة بالدماء، لتقليل أثار الصدمة.
3- عدم اتباع قواعد سلوك عامة والتمييز بين حالة وأخرى وتقييم كل منها على حدة.
4- التوصيف النصي لصور العنف، وفي حال عدم توفر هذه المساحة ينبغي التخلي عن نشر الصورة.
5- أثناء اختيار نشر صور العنف ينبغي على الصحفي أن يبرر اختياره نصًا، وأن يحذر القارئ من قسوة الصورة.
6- كثرة نشر صور العنف يؤدي إلى استهلاك تأثير صدمتها ووظيفتها في مناشدة الآخرين، ولذا يجب على الصحفي التحقق من أن نشر الصورة في هذه الحالة ضروري ومفيد.
7- إذا كانت الصورة مناسبة أخلاقيًا، لا يمتنع الصحفي عن نشر الصورة لأسباب متعلقة بحماية الشباب أو الخشية من معارضة القارئ للنشر.
8- خبرات النشر السابقة لوسائل إعلامية أخرى لا تبرر نشر صور العنف.
9- تأثير الصور في الصحيفة الورقية أقوى من نشرها على شبكة الإنترنت، لذا يمكن أن يفكر الصحفي في إمكانية نشر صورة مؤلمة على الموقع الإلكتروني لمؤسسته الإعلامية فقط، وأن ينوه إليها في النسخة المطبوعة. هكذا يتيح للقراء إمكانية (عدم) مشاهدة الصورة. |
10- فيما يتعلق بصور الاعتداءات الإرهابية ينبغي على الصحفي الموازنة بين المصلحة العامة والواجب، من خلال عدم مساعدة الإرهابيين في سعيهم للحصول على الاهتمام.
11- توخي الحذر أثناء التعامل مع صور عنف قديمة بشكل خاص. كلما كان الحدث قديمًا قل الاهتمام بنشر لقطات مؤلمة، ومن الممكن أن تتسبب صور الأشخاص المنشورة أو الأقرباء في معاناة نفسية غير محمودة العواقب.
12- في حالة الشك يمكن استشارة زملاء تحرير آخرين، وعلى الصحفي أن لا يغيب عن ذهنه أنه وزملاءه لا يمثلون متوسط الجمهور، وبناء عليه فإن تفاعلهم مع صور العنف مختلف.
13- ينبغي على الصحفي ان لا يعرض الصورة بأي حال من الأحوال بشكل من أشكال الإثارة، فبدلا من نشر صورة كبيرة على الصفحة الأولى، يمكن نشرها في داخل الصحيفة كصورة صغيرة، وبدلاً من عرض عدة صور ذات دلالة واحدة، يتعين على الصحفي البحث عن صورة واحدة قوية معبرة.
14- التحقق من إخفاء وجوه الضحايا الظاهرة في الصورة على الأقل. هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على صور الموتى مراعاة لحرمة الموتى ومشاعر أقاربهم.
15- ينبغي على الصحفي التأكد من ضمان الحفاظ على كرامة الأشخاص الظاهرين في الصورة. هذا الأمر ينطبق بشكل خاص عندما تكون هوية الضحايا غير مخفية.
16. ينبغي على الصحفي عدم نشر صور الموتى في حالات الانتحار.
17- ينبغي على الصحفي أن يكون مستعدًا للحوار مع القراء، ونشر رسائلهم حول الصور المثيرة بالجدل.
18- نشر تحذير يوضح للمستخدم أنه على وشك الاطلاع على محتوى مسيء أو مؤلم، ومن ثم على المحرر أن يضيف رابطًا يُمكِن المستخدم أن يضغط عليه ليرى الصورة.
19- نشر صورة الشخص وهو على قيد الحياة لتعريف الجمهور أن هذه الشخصية هي الضحية، مع إمكانية إضافة إشارة سوداء إلى الصورة .
20- استخدام زوايا مختلفة لالتقاط الصورة من البداية، واعتماد تقنية اللقطة البعيدة (Long Shot) لعدم إظهار ملامح الشخص المتوفى.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين