يمكن تعريف الصحافة عبر الحدود بأنها حالة من التعاون بين صحفيين يعملون في نفس المجال من دول مختلفة، للبحث حول قصة أو موضوع
تقول بريجيت ألفتير، مديرة Arena for Journalism in Europe، والتي تقوم بتدريس الصحافة عبر الحدود وفوائدها: “إذا لم نتعاون ، فعندئذٍ سأبلغ القراء بجزء بسيط من الحقيقة”.
التعاون هو أساس الصحافة العابرة للحدود، وتتنوع درجة التعاون بين الصحفيين عبر الحدود حسب الحاجة، أحياناً يكون تعاوناً بسيطاً يقتصر على بعض المراسلات عبر البريد الالكتروني، فيما يكون التعاون مكثفاً في أحيان أخرى.
وتتميز الصحافة عبر الحدود بأنها توفر للصحفيين مزيداً من القوة البحثية، بكفاءة عالية وفي وقت أسرع، مع إمكانية الوصول الى أنواع مختلفة من المصادر واللغات، والوثائق. هذا فضلاً عن تقديم رواية أفضل للقصص، وإحداث تأثير أقوى خاصة في الموضوعات التي تخص التجارة والشركات والجرائم الدولية.
الصحافة عبر الحدود، رغم مزاياها، لها نصيبها من التحديات، وتحتاج إلى تجميع فريق من الصحفيين المتوافقين والاتفاق على سير عمل مستدام لجميع الأطراف المعنية.
وفي هذا المقال نجمع بعض النصائح التي رصدتها ألفتير وخبراء آخرون حول كيفية التعاون من أجل إنتاج قصة عابرة للحدود بنجاح.
فكرة القصة
يبدأ العمل في الصحافة عبر الحدود من وضع فكرة للموضوع، مروراً باختيار فريق العمل ووضع خطة للبحث قبل المباشرة فيه، وصولاً الى النشر ومتابعة الأحداث، مما يساهم في تكوين شبكة علاقات صحفية تحضيراً لأبحاث مقبلة.
يبدأ التحقيق عبر الحدود بفكرة أو قصة تتعلق ببلدين أو أكثر وتؤدي إلى تأثير دولي ومحلي. تقول ألفتير: “إذا حصل انفجار في باحة منزلك الخلفية يجب أن تفكر بالأمر على الصعيد العالمي”، وتابعت: أي شيء يتعلق بالتجارة، سواء المشروعة أو غير المشروعة، هو جزء من قصص متسلسلة عابرة للحدود.
هناك بعض الطرق للعثور على قصة تصلح للعمل عبر الحدود، أولها هو النبش في القصص المحلية ذات الارتباط الدولي بشكل أو بآخر، وبالحفر في تفاصيلها بعمق قد نصل إلى جوانب تتعلق بدول أخرى.
طريقة أخرى تتمثل في متابعة الأخبار والقضايا المشتركة بين بلدين أو أكثر، مثل الاتفاقيات وعمليات التهريب الحدودية والتهرب الضريبي وغسيل الأموال والتجارة الدولية، والهجرة غير الشرعية.
بعض المواضيع عابرة للحدود بطبيعتها مثل موضوع المهاجرين، فلا يمكن لصحافي واحد في مكان واحد تغطية الصورة الكاملة، بل عليه تتبع الموضوع في أكثر من بلد، لذا يجب أن يعتمد على صحفيين من هذه البلدان يكونون على دراية أكثر منه بما يحدث في دولهم.
يوم واحد فقط تقضيه على الحدود بين بلدين متجاورتين حيث مئات المارة عبر المعابر الحدودية يوميا، يجعلك تخرج بطرف الخيط لقصة ممتازة.
كما يمكن الاعتماد على القصص الصادرة عن هيئات دولية كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة حلف شمال الأطلسي،حيث يمكن أن تعثر داخلها على قضايا وتشريعات أوسع نطاقًا وتتعلق بعدة دول.
بناء الفريق المناسب
بمجرد أن تصل إلى فكرة قصة عابرة للحدود مناسبة، ستحتاج للعثور على الأشخاص المناسبين لمشاركتك العمل على التحقيق وتسهيل تنفيذه. والمواصفات المطلوبة في شركاء عمل لهذا النوع من التحقيقات، لا تعتمد فقط على الكفاءة المهنية، بل تعد الثقة في شريك العمل أمر في غاية الأهمية.
لذا عليك أن تختار عناصر الفريق بعناية من البلدان المستهدفة، إما عن طريق زملاء مشتركين، على معرفة مسبقة بالطرفين، أو عن طريق التواصل المباشر، وتطوير شبكة اتصال مع صحفيين من نفس المجال في دول مختلفة، ويمكن في هذه الحالة تطوير الثقة واختبارها مع العناصر الأخرى قبل البدء في العمل، وذلك من خلال التواصل المباشر بينكم لفترة من الوقت، والنقاش في موضوعات مختلفة.
كما يمكن الاستعانة بالكيانات الصحفية المعنية بالعمل الصحفي حول العالم، مثل الاتحاد الدولي للمحققين الدوليين، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومراسلين بلا حدود، وتعرض عليهم قصتك، وتطلب منهم المساعدة في تكوين فريق عمل عابر للحدود.
في كل الأحوال لابد من مراعاة بعض الأمور لتكوين فريق عمل ناجح، أهمها الأخذ في الاعتبار أن العمل الصحفي عبر الحدود يرتكز على مبدأ المكاسب المشتركة، وتقول ألفتير في هذا الصدد: عند بناء أي فريق عمل على أي موضوع يجب أن يفكر الصحفي بما سيقدمه لزملائه من مادة بحثية مقابل مساعدتهم.
كما لابد أن يتوافر في الشركاء بعض الصفات الهامة، منها امتلاكهم المهارات واللغات المطلوبة، وأن يكون لديهم معرفة جيدة بنوعية القصص المستهدفة في المنطقة المحددة.
أمر أخير لابد من مراعاته، وهو التوافق والتناغم بين عناصر فريق العمل، فالكيمياء مهمة جدا، خاصة في المراحل التي يزداد فيها ضغط العمل، ويمكن تطوير حالة التفاهم والتناغم بين العناصر المشاركة بالمزيد من المقابلات والتواصل المستمر. مع مراعاة الثقافات المختلفة للمشاركين.
وعلى قدر ما يصبح الصحفيين مقربين أكثر على قدر ما يتعاونون مع بعضهم البعض بشكل مكثّف أكثر.
ويمكن للأعضاء التواصل يوميا ومشاركة الرموز التعبيرية وموسيقاهم المفضلة وإجراء المحادثات اللطيفة والمرحة التي تساعد في توطيد العلاقة بينهم.
قائد واستراتيجية الاتصال
يجب أن يكون لدى الفريق شخص واحد مسؤول عن التنسيق، لأن هذه المشاريع تنطوي على الكثير من الجوانب العاطفية أو المؤثرة التي يجب ضبطها لضمان عدم حدوث أي فوضى، لذا من الضروري والمفيد وجود هيكل عمل واضح.
ولابد أيضا من عمل اجتماعات يومية أو أسبوعية إما عبر الرسائل أو عبر مكالمات الفيديو أو الهاتف، أو بحضور شخصي إن أمكن، يقدم خلالها أعضاء الفريق موجزاً عن أدائهم في العمل أو إثارة أسئلة حوله، أو لمناقشة تحدي معين والحلول المناسبة لمواجهته.
التحقيق العابر للحدود يتطلب وقت أو يوم في الأسبوع يتم تخصيصه لجمع كامل الفريق. وبمجرد البدء بالمشروع، يجب على المجموعة أن تخصص وقتاً لمعرفة وتحليل ما يتم إنجازه بشكل جيد أو ما يمكن تحسينه للمشاريع المستقبلية.
الممارسات الصحفية
الممارسات والمعايير الصحفية قد تكون سببا للخلاف بين الفريق أثناء العمل، ما يضر بالمشروع بالكامل وقد يؤدي إلى تجميده.
مثلا، في مشروع تحقيق مدعوم من الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ICIJ، كانت مجموعة العمل تحقق في تجارة السجائر الروسية الصنع المهربة إلى أوروبا بقيمة لا تقل عن مليار دولار سنويا، وجمعت التجربة صحفيين من روسيا وأوكرانيا ورومانيا. ومع الوقت ظهرت الخلافات حول الأساليب الصحفية بين فريق العمل من جنسيات مختلفة، على سبيل المثال، استخدام الكاميرا الخفية.
في بعض البلدان ، تكون الكاميرا الخفية هي الملاذ الأخير. وفي بلدان أخرى ، وفي بلدان أخرى أمر طبيعي استخدامها منذ اللحظة الأولى، هناك محاذير أمنية عند البعض في استخدامها ، وعند أخرين توجد محاذير أخلاقية، وهناك ما لا يعير هذه المحاذير انتباها من الأساس.
أمر كذلك قد يؤدي إلى نزاعات خطيرة للغاية داخل فريق العمل ما يسفر أحيانا عن تجميد المشروع وحل الفريق، لذا لابد من الاتفاق حول المعايير وأساليب العمل من البداية، وأن تكون هناك مرونة بين أعضاء الفريق للوصول إلى منطقة وسط.
الكتابة
أيضا قد تظهر اختلافات كبيرة بين عناصر الفريق حول كيفية كتابة القصة. في المثال السابق، أعاد الصحفي الروماني كتابة القصة بالكامل بعد أن كانت جاهزة للنشر.
مثلا، طريقة وضع العناوين للقصة الصحفية وجاذبيتها للجمهور، قد تختلف من بلد لآخر، في بريطانيا مثلا يختلف الأمر تماما عن رومانيا، لذا لا يجب إلزام الفريق بكتابة واحدة، وطريقة واحدة لسرد القصة، واختيار العناوين والمقدمات.
لابد من تكييف التقرير مع كل جمهور مستهدف في البلدان المستهدفة. وضبط سرد القصة والعرض التقديمي بطريقة تتناسب مع الجماهير المستهدفة، في كل بلد على حدا، ونبتعد عن كتابتها بسياق عالمي، وإلا فإننا لن نصل للقاعدة العريضة من الجمهور، والقصة لن يقرأها إلا من لديه القدرة على فهم السياق العالمي، وهم قلة.
لابد أن يكتب كل صحفي من فريق العمل تقريره بالشكل المناسب للجمهور المحلي المستهدف في النهاية، لضمان أكبر تأثير وانتشار للقصة.
النشر معا
النشر في نفس التوقيت في مجموعة الدول المعنية بالقصة، هي قوة مشتركة ومضاعفة لقصتك، وهي أهم ما يميز التحقيقات عبر الحدود، النشر في عدة بلدان في وقت واحد ، يجعل الجميع يتحدث ونطاق الانتشار يتسع في الصحف والقنوات وفي كل مكان.
مثلا عندما نشر ICIJ أكثر من 40 قصة عن تسريبات جهاز الاستخبارات التابع لرئيس وزراء لوكسمبورج جان كلود يونكر والمتهم بالتنصت على الكثير من الاتصالات والمراسلات الشخصية للمواطنين، فيما عرف إعلامية بـ Luxembourg Leaks نتج عن ذلك اجتماع عاجل لـ G20 ومقالة افتتاحية ساخنة من صحيفة بلومبيرج الأمريكية تدعو إلى استقالة يونكر، الذي استقال بعدها بالفعل.
المصدر:شبكة الصحفيين الدوليين