محمد العويد-صحفي سوري
مر عيد الصحافة السورية بشموع كثيرة أطفئت، وبخبر “الثورة تحصد جوائز الصحافة السورية”، وبكلمات تؤرخ “تخصيص يوم الخامس عشر من آب/ أغسطس من كل عام للاحتفال بعيد الصحافة السورية؛ لأنه يصادف اليوم الذي قام به السيد الرئيس بشار الأسد بافتتاح المؤتمر العام الرابع لاتحاد الصحفيين سنة 2006″، من كلمة إلياس مراد، رئيس اتحاد الصحافيين السوريين، معاودًا سيرة سلفه صابر فلحوط: “لم يُسجن صحفي سوري في قضية سياسية”.
في بقايا الذاكرة، أن عضو مكتب تنفيذي للاتحاد ذاته، وصحافي سابق في وكالة سانا، اعتقل أكثر من 17 عامًا، وعشرات من الكتاب والمثقفين، حتى باتت صاحبة الجلالة لا تتذكرهم لكثرة أعدادهم، وبتنا نقرأ فيها -وهذا قبل الثورة وعيد الصحافة- كل الأشياء الفاقدة لمعنى صاحبة الجلالة، بل توقفت المضامين مذ جلس الأب والابن وبينهما صابر وإلياس، وتكرست مفاهيم التطبيل والتزمير، وصولًا إلى خروج أهالي حي الميدان الدمشقي، بحسب إحدى أدوات صاحبة الجلالة السورية، احتفالًا بهطول المطر الصيفي، عشية خروجهم من مفاعيل صاحبة الجلالة.
في جوقة العمل بصحيفة تابعة لاتحاد شبيبة الثورة (المسيرة)، كان تهديد عضو المكتب التنفيذي لما يُسمى بأسرة التحرير حاضرًا، “لا تفكروا حالكم صحفيين، والله وبكسر الهاء، البواب يحرر العدد الأسبوعي كاملًا”، وهو ما تشابه مع صحف المنظمات الأخرى، كالفلاحين والعمال والطلائع والمرأة العربية وصحف الوزارات والنقابات المهنية والمحافظات، بدءًا من الوحدة في اللاذقية والجماهير الحلبية، وبينهما الفداء لحماة والفرات لدير الزور، ليطل مشهد الكاتب والصحافي السوري عبر الحدود عبر صحف لبنانية وخليجية، وهذا مترافق -بالطبع- مع الاستدعاءات إلى الفروع الأمنية.
ذلك قبل الثورة السورية، وحديث السوري عن صحافة “الزفارة” و”التمسيح”، صحافة البيانات والعناوين الموحدة، وحتى بعيد ظهور صحافة، حاولت أن تبقي صفحات بيضاء لتأكيد “وقاحة” الرقيب، فنالت عقابها بالإغلاق؛ لتطل قبل الثورة بسنوات معدودة، صحف تبيّض الأموال لأبناء السلطة ذاتها، التي أغلقت وكممت أفواه السوريين وأجبرتهم على “النخ” في احتفالات صاحبة الجلالة، فقبلوا “بالسترة” وبعض المحاولات التي تُجمّل المشهد ولا تغيره، تصفه ولا تعكر صفوه، وكانت هذه الصحف الجديدة تُفاخر -في احتفالاتها- بأنها خرجت من “القمقم”، و”لا تضع صورة سيادته في صفحتها الأولى”.
لم نشهد صحافة وطنية، تلعب دورًا في عزل وزير درجة عاشرة، ولا حتى إبعاد محافظ عن ولايته، ولا تعرية ضابط مرتش أو فاحش، ولا حتى رجل اقتصاد قريب من دوائر القرار وسجونه الكثيرة، والجوائز حق وعرف ووجوب منحها لمن أعاد لها بعضًا من قيم الجلالة المنهوبة، فاقتربت من وزارات سيادية كالنفط أو الخارجية أو العدل والداخلية، أو حتى المؤسسات التابعة للدفاع كالمعامل والإسكان.
ما بعد الثورة يختلف عما قبلها، لكن كل ما حدث لم يُحرك مياه صاحبة الجلالة لتغيير البوصلة قليلًا، فهجر مئات من أبناءها، ومثلهم قتلوا خلال السنوات الخمس الماضية، سوريين وعرب وصحافيين دوليين.
وبحسب تقارير منظمات دولية وحقوقية مستقلة، ومتتالية خلال السنوات الأخيرة، فإن سورية تعدّ أخطر بلد عربي على الصحافة وعامليها، وما زالت تحتل الترتيب 175 على الصعيد الدولي، وتتصدر الدول التي قُتل فيها أكبر عدد من الصحافيين، فضلًا عن المختطفين ومجهولي المصير منهم، واحتلت سورية المرتبة الأولى عالميًا من ناحية خطورة العمل الصحفي فيها خلال 2016، بسبب تصدرها قائمة الدول التي قتل فيها أكبر عدد من الصحفيين خلال العام الحالي، فضلا عن المختطفين ومجهولي المصير منهم.
كما صدرت إدانات دولية بما يتعرض له الصحفيون والناشطون في سورية إلى انتهاكات جمة، وتوجه منظمات حقوق الإنسان اتهامات إلى نظام الأسد باعتقال الصحافيين، وتشديد الرقابة على الصحافة، إضافة إلى تسبب قوات النظام بمقتل عدد من الناشطين والصحافيين من جراء تعذيبهم في المعتقلات حتى الموت.
من حق الصحافي السوري أن يحتفي بالعيد كأقرانه في المعمورة، لكن ألا تستوجب صاحبة الجلالة أسئلة المقدمات ومحاسبة ركّابها الجدد، وكيف استخفوا بدماء زملائهم، وإن اختلفت رؤاهم السياسية، فصاحبة الجلالة هي أصلًا بيت الاختلاف إلا في مملكة الأسد وشركاه.
في اجتماع لرابطة الصحافيين السوريين في العاصمة الفرنسية باريس، مع أقرانهم من مؤسسات فرنسية، تعنى بالصحافي، كانت الأسئلة تتمحور حول الكيفية التي يًحاسب بها صحافي، حرض أو ساهم في القتل، أو وقف مع عدو المهنة، بشكل جلي ومنهجية، فالفرنسيون بحكم تجربتهم إبان الاحتلال النازي، لم يغفروا لمن ذهب للاتجاه الآخر، وعدّوا القضايا الوطنية لا تفاضل بينها، لأنها تملك قدسية أكثر من صاحبة الجلالة، كنا نتلقى أسئلتهم “الماكرة” بإجابات العفو، فليس لسوري نية تصفية حساب مع صحافي تركه عرضة للاعتقال أو التصفية، فالسوري شهدت ساحاته وثورته شعار “الإعلام السوري كاذب” وأنهى حساباته بكلمة “سقطت الشرعية”.
المصدر: صحيفة جيرون الإلكترونية